*لماذا أنا إباضي و من نحن الإباضية
سؤال نجيب عنه بسبب كثرة التساؤلات من هنا وهناك .. إن لم نجب عنها وصفنا بالعجز .. أو وصفنا بعدم الثقة بما نحن عليه .. أو اتهمنا بأن بضاعتنا مزجاة أو كاسدة .. أو وصفنا بأننا نتهرب من الإجابة أو المواجهة .. أوصاف كثيرة متعددة قد يطول ذكرها لو أخذنا نعددها أو أردنا حصرها .. بل يتفاقم الاتهام في بعض الأحيان أو من قبل بعض الأقلام حتى نوصف بالفرقة المارقة أو الخارجة أو المعطلة وقد نوصف والعياذ بالله بالشرك والردة وقد يحكم علينا بالكفر والخروج من الملة .. ولذلك نجد الجواب لا مفر منه ولا محيص عنه نعتقد ذلك بلا أدنى شك أو ارتياب فنقول وبالله التوفيق ومنه العون والسداد وهو وحده الهادي إلى الحق والصواب :
أولا : الإباضية قبل كل شيء يبغضون الفرقة والشتات ويسعون إلى رأب الصدع والشقاق ويعتبرون أتباع المذاهب الإسلامية أخوة لهم في الدين وسيرة أئمتهم وعلمائهم خير شاهد على مر العصور والفترات وعلى رأسهم مرجع الإباضية في العصر الحديث الذي عرفت سعيه للوحدة المؤتمرات والمجامع الإسلامية التي كانت تعقد بين الحين والحين تحت شعار " التقارب بين المذاهب الإسلامية" وتوج هذه الاعتراف بمقابلة مع سماحته أجرتها وبثتها قناة الجزيرة الفضائية.
*ثانيا : الفرق الإسلامية الشهيرة المعاصرة ثلاث هي :
1ـ الفرقة السنية وهي الفرقة الأكثر انتشارا وأتباعا في العالم لتعدد المذاهب الإسلامية المنتمية إليها والمتفرعة عنها وبالتالي فإن التعرف عليها يسهل من هذه الناحية.
2ـ فرقة الشيعة وهي فرقة بارزة على السطح في الوقت الحاضر بقوة من خلال قنواتها الفضائية ومواقعها الإلكترونية ومنشوراتها الكتابية والثقل السياسي لموطنها الأم وعلى ذلك فمن السهولة بمكان التعرف على معتقداتها وأفكارها ومبادئها وعن قرب.
3ـ الفرقة الإباضية وهو اسمها الأخير الذي عرفت به ولها أسماء أخرى سمي به أتباعها أو تسموا بها ومن ذلك أهل الحق والاستقامة أهل الاستقامة جماعة المسلمين أهل الدعوة القعدة وأول اسم لهم هو المحكمة وسموا كذلك لأنهم لم يرضوا بالتحكيم الذي نادى به معاوية بعد أن أدرك أنه منهزم في معركة صفين التي خرج فيها على الإمام علي كرم الله وجهه ظلما وزورا وكان شعار المحكمة " لا حكم إلا لله "ويعنون بذلك قوله سبحانه : "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " والفئة الباغية هي فئة معاوية بدليل قول النبي r في عمار بن ياسر رضي الله عنه تقتله "الفئة الباغية" وقد قتله أتباع معاوية وقد كان رأي المحكمة أن يستمر الإمام علي في قتال معاوية حتى يرجع إلى أمر الله وهو التسليم بخلافة الإمام علي الذي بويع بالخلافة مبايعة شرعية فبغى عليه معاوية ولكن الإمام علي رضخ لرأي الأغلبية فرضي بالتحكيم وحدثت الخدعة فخلع الإمام علي من الخلافة وحدثت الفتنة التي اصطلت بسببها الأمة وانقسمت إلى هذه الطوائف الثلاث وغيرها.
ثالثا:أساس الدين العقيدة وعقيدة الإباضية من يتأملها يجد أن أهم ما تقوم عليه ويميزها التنزيه المطلق للمولى عز وجل فهم ينزهون الله سبحانه وتعالى عن التشبيه والتجسيم الذي يؤدي إليه تفسير بعض الآيات القرآنية على ظاهرها كأن يكون له سبحانه يد ووجه وانه ينسى ويجلس على العرش وغير ذلك لأنه لو كان كذلك لأشبه مخلوقاته تعالى الله عن ذلك وتنزه وإنما هو عز وجل وكما وصف نفسه " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" وإنما يؤول الإباضية اليد بالقوة والوجه بالذات والاستواء بالاستيلاء كما هو معهود في لغة العرب :
يقال استوى سلطانهم فعلى .. على البلاد فحاز السهل والجبلا
ومن ذلك تنزيههم للمولى سبحانه وتعالى عن أن يرى بدليل قوله عز وجل" لن تراني " ويفسرون قوله سبحانه "إلى ربها ناظرة " بأنها منتظرة لثواب ربها بدليل قول حسان بن ثابت رضي الله عنه :
وجوه يوم بدر ناظرات .. إلى الرحمن يأتي بالفلاح
وقول السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سئلت هل رأى محمد ربه ليلة أسري فقالت: "لقد قف شعر جنبي من زعم بأن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية" ثم ذكرت قول النبي r :"هو نور أنى أراه " ولأن الرؤية تستوجب أن يكون لله حيز وجهة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولأن هذه من اجتراءات اليهود على الله ورسله وقد عاقبهم الله على ذلك وأهلكهم " وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون " ومن هذه المسائل مسألة الخروج من النار وهي عقيدة يهودية بدليل قوله سبحانه : " وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة " وهذه العقيدة تعارض كثيرا من آيات القرآن الكريم منها قوله سبحانه " ومن يعص الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدين فيها أبدا " وقوله عز وجل في أكل الربا " فمن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " وقوله في سورة الفرقان " ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيآتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما" ومن ذلك عقيدة الشفاعة لأهل المعاصي والكبائر فإنها تعارض صراحة كثيرا من آيات القرآن الكريم نحو قوله سبحانه " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى" ثم هي بعد ذلك فيها دعوة إلى الاجتراء على الله بالمعاصي والآثام أملا في أن يحظى مرتكبها بشفاعة النبي r ولا يبعد أن تكون هذه المعتقدات تسربت إلى المسلمين أو سربت إليهم خلال الفترات الحكمية الفاسدة لدولة بني أمية وبني العباس بقصد التقليل من فداحة المعاصي والمنكرات التي كان يرتكبها ويروج لها حكام هاتين الدولتين كما لا يبعد أن يكون قوله r :" شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" كان أصله" ليست شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" فناله ما نال كثيرا من الأحاديث النبوية بفعل النحالين والوضاعين، ومما يخالف فيه الإباضية غيرهم عدم الرفع والضم في الصلاة لعدم ثبوت أحاديثهما لديهم من طريق صحيح ولقوله r : "سيأتي من بعدي أقوام يرفعون أيديهم في الصلاة كأذناب خيل شمس" والذي ينظر إلى اليهود يجدهم يضمون أيديهم في الصلاة وقد أمرنا في غير ما حديث عن النبي r بمخالفتهم، ويوافق الإباضية في عدم الضم المالكية في المذهب القديم .
رابعا: من يستعرض تاريخ الإباضية يجدهم طبقوا الإمامة على نهج الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر في أكثر من جهة في عمان واليمن والمغرب العربي حيث تولى الإمامة الشرعية أكثر من ستين إماما عادلا ساروا في إمامتهم سيرة رضية وضربوا في العدل والزهد والورع والتقى أروع الأمثلة وذلك من خلال فكر سياسي إسلامي فريد لم يعرف العالم الإسلامي مثله بعد الخلافة الراشدة إلا ما كان في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ـ وقد أرسل الإباضية وفدا لمقابلة الخليفة العادل عمر بن العزيز، و الإدلاء بآرائهم و مواقفهم في قضايا الحكم و شؤون الأمة، و طلبوا منه العمل على تصحيح الأوضاع، و العودة بالأمة إلى نهج الرسول و خلفائه الراشدين، ومنع سنة لعن الإمام علي على المنابر فأبطلها واستبدلها بقول الله سبحانه " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون "وهذه السنة هي التي غلبت تسميتها اليوم على الفرقة الثانية ويضاف إليها الجماعة فيقال أهل السنة والجماعة والجماعة تعني في العصر الذي أطلقت عليه الاجتماع على سنة معاوية وهي لعن الإمام علي كرم الله وجهه .
ولتطبيق الإباضية لنظام الإمامة الشرعية فإنهم تتبعوا وحوربوا ولوحقوا من قبل حكام بني أمية وبني العباس ليقضوا عليهم في مهدهم ولذلك سلك علماؤهم وأئمتهم طريق الدعوة السرية ونظام الهجرة والتخفي وبسبب ذلك تجد أتباعهم قلة مقارنة بأتباع الطوائف الأخرى وهي سنة من سنن الله في أرضه "وقليل من عبادي الشكور"
كما أن فترات الخلافة الراشدة قليلة مقارنة بفترات الأنظمة الأخرى ولذلك انظر فترة خلافة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مقارنة بفترة باقي حكام بني أمية وبن العباس وفي ذلك فكرة لمن حكم العقل متحررا من الهوى والتعصب باحثا ومتقصيا عن الحق من مظانه وأهله .
خامسا :من يستعرض تاريخ المذاهب الإسلامية يجد أن المذهب الإباضي أولها وجودا ونشأة حيث إن إمام المذهب الإباضي وهو الإمام جابر زيد الأزدي العماني ولد في الأسبوع الذي توفي فيه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه والتقى بسبعين صحابيا ممن شهدوا بدرا وأخذ العلم منهم كما أخذه من السيدة عائشة رضوان الله عليها وكان أكبر شيوخه الذين تلقى عنهم العلم الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنه ترجمان القرآن والذي شهد لجابر بسعة العلم وقال: " لو سأله أهل المشرق والمغرب لوسعهم علمه ".
سادسا : بالنسبة لعلم الحديث يعتبر الإباضية أسبق الناس إليه حيث إن لدى الإباضية مسند الإمام الربيع بن حبيب الفراهيدي العماني وهو ثلاثي السند ولذلك تسمى سلسلته بالسلسة الذهبية أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن صحابي من صحابة رسول الله r.